يرى كثيرٌ من العلماء أن احتضان الملك جبريل n لسيدنا النبي محمد g ثلاث مرات أثناء الوحي الأول هو شكل من أشكال التوجه. ويمكننا أن نخلص إلى أن المعرفة التي جاء بها سيدنا جبريل n من عند الله بدأت بالتوجه. كان النبي g في غار حراء عندما جاء إليه جبريل n وطلب منه أن يقرأ. فقال “ما أنا بقارئ”. احتضن جبريل n سيدنا النبي g وضمه إليه وقال “إقرأ”. فرد النبي g “ما أنا بقارئ”. وللمرة الثالثة أخذ جبريل n النبي g وقال “إقرأ”. عندها قرأ النبي g رسالة الله (سورة العلق: ١-٥): ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5).
ويروى في الحديث أن النبي g كان ممسكًا بيد سيدنا عمر h. فقال عمر “يا رسول الله لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي”. فقال النبي g “لا، والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه”. من ثم قال عمر h “فإنه الآن! والله لأنت أحب إليَّ من نفسي”. فقال له النبي g “الآن يا عُمر”. كان ذلك بلا شك نتيجة للتوجه.
القصة التالية رواها سيدنا أُبي بن كعب فقال: “كنت جالسًا في المسجد، فدخل رجل فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم جاء آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما انصرفنا دخلنا على رسول الله g فقلت: يا رسول الله إن هذا الرجل قرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم قرأ هذا سوى قراءة صاحبه. فقال رسول الله g للرجل: “اقرأ”. فقرأ، ثم قال للآخر: “اقرأ”. فقرأ. فقال: “أحسنتما أو أصبتما”. فلما رأيتُ رسول الله g حسّن شأنهما سقط في نفسي، ووددت أني كنت في الجاهلية -قال- فلما رأى رسول الله g ما غشيني ضرب بيده في صدري، ففضت عرقًا وكأني أنظر إلى الله فرقا.”
وبالإضافة إلى هذه الأمثلة، هناك أحداث كثيرة يمكن الاستناد عليها كدلائل على أثر التوجه الروحي. ومع ذلك، من الصحيح أن التوجه الروحي والنسبة الروحية ليسا المصدر الحقيقي للأثر: فقد قال الله تعالى لسيدنا محمد g: ” إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ” (القصص: ٥٦). إن بلوغ الغاية النهائية ليس ممكنًا من دون فضل الله، ولكن من خلال الإرشاد واتباع السنة النبوية وأقوال الأولياء والشيوخ ومن يخلفهم وأفعالهم وصحبتهم وتوجهاتهم الروحية فإنها ليست مستحيلة.